احياناً كثيرة يكون السؤال من ثلاث كلمات فقط ولكنه كبير جداً .. ويكون الجواب واضحاً ومعروفاً من التجارب.. ولكنك تظل غير مصدق لهذا الجواب وتبحث عن غيره من الأجوبة الغامضة لتضع حداً لذهولك واستغرابك .
ولذلك أجزم أن غالبية مجتمعنا قد تساءل ولا زال عن سر وسحر داعش حينما أقنعت من يبحث عن الجنة والشهادة بأنها في تفجير مسجد مكتظ بالمصلين أو الغدر بأقربائه المسلمين أو حتى قتل نفسه. وأن يستخدم التزوير والتلفيق والغدر والخيانة في سبيل بحثه عن رضا رب العالمين. ويجعل من نفسه أداة في يد أعدائه وأعداء دينه و أهله وملته ووطنه وهو يظن أنه الغيور عليهم .
إن المتأمل والباحث لتفسير هذه الأمور يجب أن يتوقف عند ثلاث نقاط مهمة فلا بد أن يفرق بين المخطط والموجه والممول وبين المنفذ، فلكل خصائصه التي تدرسها منظمة داعش الإجرامية وتستقطبه على أساسها، فالمخططون والموجهون مجرمون متمرسون وحاقدون وأعداء وفئة ضالة تستوجب تصفيتهم مباشرة، أما المنفذون فهم غالباً ضحايا قلة الوعي والحماس منهم والإهمال من مجتمعهم .
ثم يجب أن يعلم يقيناً أن داعش ليست مجموعة من المتهورين أو الإرهابيين فهي في أساسها فكرة تنفذها استخبارات دولية ومؤسسة يديرها أعداء الدين والوطن ولكن بخطة ذكية ولعبة خفية وتطوير في الأساليب، وهي مؤسسة تهتم بسعودة موظفي الصف الثاني بشكل كبير لأنها تستهدف في أساسها إضعاف السعودية بأيدي أبنائها.
وثالث الوقفات هي مع طريقة مواجهتنا لفكر منظمة داعش وأساليبها وأول الحلول أن نعترف بأخطائنا فإن ظللنا نفكر ونناقش دون اعتراف بالأخطاء فسيطول بنا النقاش دونما نتائج والعدو أسرع من نقاشاتنا، وأول اعتراف بالأخطاء أن نعلم بأنه لا يوجد في الوطن مؤسسة أو جهة أو منشأة تقوم على رعاية الشباب أو علم يستهدف شؤونهم ورعايتهم رغم أنهم يمثلون الغالبية، والمتوفر هو مؤسسة لكرة القدم اسمها رعاية الشباب وفكرها الأندية، وبرامجها ضئيلة، ولم تستطع التغلب على التعصب الرياضي ومواجهة رؤساء الأندية ومثيري التعصب من الإعلاميين، فكيف ستساهم في مواجهة منظمة ذكية وإجرامية تستهدف عقول المراهقين؟!.
نحن الآن نقوم على ردات الفعل لما تنفذه داعش وعلى القبض على من وقعوا في شراكها من المنفذين وبعض المخططين، ولكن ماذا قدمنا لوقاية شبابنا من هذا الفكر؟.
علمنا أن داعش لا تستهدف استقطاب المتعلمين ولا العلماء ولا القضاة ولا المثقفين ولا الأذكياء، فهم ليسوا الفئة المستهدفة، ولكنها تستهدف استمالة واستقطاب العاطلين والمنسحبين من إكمال الدراسة، والمراهقين ومدمني ألعاب القتال في البلايستيشن وألعاب الجوال والكمبيوتر والتائبين من التفحيط ومن مدمني المخدرات والغيورين على الدين من قليلي العلم الشرعي، ليكونوا منفذين لعملياتها. فبماذا واجهناها؟.
علمنا أن فضاء الإنترنت وغرف الدردشة وتويتر مليئة برؤساء داعش الذين يحاورون شبابنا بأسلوب يناسبهم، وبأسماء وهمية أو صريحة، ويستدرجونهم بعبارات تتوافق معهم، ويغرونهم بالزواج من الفتيات الحسان والمال، ويزيدون حنقهم ضد كل نظام مطبق في البلد وضد أهاليهم، ليجعلوهم أسرى فكرياً منعزلين مجتمعياً لا يرون مستقبلهم إلا في طاعة داعشية. فماذا قدمنا بعد أن علمنا من التجارب هذه المعلومات؟.
علمنا أن بعض شبابنا تربى على الانقياد لكل مؤثر بخلطة مدرسية أسرية مجتمعية فهو مستعد للانحراف يميناً أو يساراً كيفما اتفق. وقد يكون مفحطاً إن وجد من يرحب فيه بمواكب التفحيط والدرباوية ويمنحه الجو الذي يبحث عنه وربما يكون متزمتاً دينياً إن وجد من يغريه ويقنعه، ومستعداً ليكون داعشياً إن وجد أحداً يحاوره ويقنعه ويرد على أسئلته ويمنحه ما يريد. وكثيرون ممن وقعوا في التدخين والمخدرات كانوا على استعداد للالتحاق بأي فئة من السابق، ووجدوا التدخين أو المخدرات مهيأة من عصابات الترويج وإغراءات شركات التبغ فانقادوا لها.
علمنا أن داعش تبحث في البدايات عن مواصفة واحدة أو اثنتين تتوفر في أي شاب، قليل العلم، مراهق أو لازال بعقل المراهق، ضعيف التحصيل الدراسي، فضولي، مفكك أسرياً، غيور بلا وعي، يحب الإسلام ولا يلتزم بتعاليمه ويتهم المجتمع بالتقصير في نصرة المسلمين، وهو لا يستطيع الحفاظ على الصلوات في المسجد، يرمي اخفاقاته على الغير، ضعيف الشخصية، تعرض لهزات اجتماعية وواجه ضغوطاً وشروطاً تعجيزية، وأصبحت الحلول قليلة في يده، ولو بحثنا لوجدنا كثيراً من المنفذين من صغار السن والمراهقين الباحثين عن المال بعد أن فقدوا الأمل في وظيفة تناسبهم بسبب تركهم للدراسة وشروط الوظائف والواسطة، أو اختبار كفايات وقدرات وعجزوا عن اللحاق بشروط حافز التي يعتبرونها إهانة، وزادت عليهم مخالفات ساهر حتى فقدوا الأمل في سدادها ثم بثوا مشاعرهم في الإنترنت وتويتر فتلقفتهم داعش وحاورتهم ومازحتهم وزادت الأسلوب تدريجياً بصداقات مباشرة مع شخصيات إقناعية دينية مزيفة حتى وصلت لمرحلة زيادة حنقهم بقصص خيالية عن أهلهم وقادتهم وأحاديث وتفسيرات تأويلية وتهويل لحوادث اجتماعية وسياسية لخدمة أهدافها وجعلتهم في مدرسة يومية من المحاضرات والنقاشات والدردشات وأوهمتهم أن الحل لديها وأنهم أملها وقلدتهم أوصاف الشجعان والمجاهدين وغزاة العدو وألفاظ وألقاب العزة والمجد والكرامة وكانوا ضحاياها ونفذوا كل ما تريد دون وعي وبحثاً عن أي شيء يجعلهم يتخلصون من حالة الكبت والانعزال والقهر والألم الذي أدخلهم فيه واقعهم و نقاشات داعش ومعلوماتها وتنفيذاً لألقابها .
نحن في الحقيقة علمنا أسباباً كثيرة عن كيف وقع أبناءنا في حبائل داعش ولكننا لم نعمل بالأسباب لنحميهم ونقيهم منها.
ومما يزيد الطين بلة أن بعض المثقفين السلبيين الذين هم أخطر من داعش على الوطن استغلوا الفواجع التي قام بها منفذو داعش لتصفية الحسابات الشخصية ونفخ حقدهم ضد الدين وضد حلقات التحفيظ وضد كل مظاهر الدين واتهموها بما لم تساهم فيه، وتناسوا أن داعش في أساسه وضع لتشويه سمعة الدين الإسلامي الحنيف والنيل من وطن الإسلام .
فهل نرى في قادم الأيام تفعيلاً لسياسة شاملة علمية وعملية وليست تنظيرية ترعى الشاب وتؤهله وتجعله متحصناً عن كل فكر سلبي أو انحراف وتمنع التجاوزات وتوقف المحبطين وأساليب الإحباطات وترسم مساراً لكل شاب سعودي وتدعمه في الدراسة والوظيفة والزواج. وتجعل كل شاب ينتمي قلباً وقالباً لوطنه ودينه، وتقدم برامج توعوية للمجتمع وتضبط كل تصرف يساهم في تأجيج الشباب.
وهل نرى مؤسسة أو هيئة أو وزارة تتخصص في رعاية الشباب ويقوم عليها شباب يرى كرة القدم جزءاً بسيطاً وليست كل رعاية الشباب، وتقوم بعمل كبير وبرامج رائدة وإبداعية وتخطيط متميز لمستقبل أفضل؟.
حفظ الله أبناءنا ووطننا من كل سوء
وكفانا الله كيد الكائدين وحقد الحاقدين
وتخاذل المتخاذلين..