كثيرة هي البرامج الإعلامية التي تقوم على أساس اللقاءات الحوارية، سواء أكانت مرئيةً أو مسموعة، التي يُفترض - وكُلنا يعلم ذلك - أن تكون الفرصة فيها متاحةً في المقام الأول للضيف؛ حتى يتحدث للمشاهدين أو الـمستمعين عن جوانب مـختلفة، جاء في الأصل للحديث عنها، وتـمت استضافته لأجلها، وبخاصةٍ عندما يكون الحديث في موضوعاتٍ مهمةٍ أو تخصصيةٍ، لا يُجيدها ولا يُحيط بمختلف أبعادها إلاّ فرسانها. وهذا يجعل حرص المشاهد أو المستمع يزداد للإفادة من تلك البرامج، والإصغاء إليها عندما يتحدث الضيف ويسترسل في حديثه الذي لا ينبغي معه سوى التزام الهدوء والإنصات للمتحدث؛ حتى يُتم كلامه وطرحه.
ومع السهولة التي يتمتع بها البرنامج الحواري فيما يخص طبيعته الإنتاجية إلاّ أن مما يؤسف له أن كثيراً من تلك البرامج - ولاسيمـا في قنواتنا العربية على وجه الخصوص - تفتقر إلى العديد من الجوانب المهمة، التي سبق أن أُشير إليها في بعض الدراسات والطروحات ذات العلاقة، ويأتي من أبرزها:
* عدم كفاءة كثيرٍ من المقدِّمين لهذه النوعية من البرامج، وافتقارهم للخبرة اللازمة لطبيعتها الإعلامية.
* عدم وجود الحلول القطعية لمُشكلة رداءة الاتصالات المُعلنة للتواصل مع البرنامج، وإن كان هناك من يرى أنها قد تكون مقصودةً في بعض الأحيان.
* تكرار استضافة الكثير من الضيوف في هذه النوعية من البرامج، ولاسيما في بعض الـمجالات، وكأنه لا يوجد في هذا البلد إلاّ هذا الولد!
* ضعف المادة الإعلامية المرافقة للبرنامج - إن وُجدت - التي عادةً ما تكون على شكل تقارير ميدانية، ولها علاقة بموضوع الحوار.
وليس هذا فحسب؛ فهناك نوعيةٌ أخرى من الملحوظات التي تتعلق بطريقة تقديم البرنامج، وهي ملحوظاتٌ مُهمةٌ؛ وينبغي التنبيه إليها، والسعي في علاجها، وعدم تجاهلها أو التهاون في شأنها.. ويأتي من أبرز تلك الملحوظات ما يأتي:
أولاً/ تلك الـمقاطعات الـمستمرة من مقدِّم البرنامج لـحديث الضيف دون مُبررٍ أو داعٍ لتلك المقاطعات التي قد تكون متعمدةً في بعض الأحيان، إما بالأسئلة التافهة في الغالب، أو بالـمداخلات الساذجة التي ليس لها ارتباطٌ أو علاقة بالموضوع؛ الأمر الذي يُثير في نفوس المتلقين الغضب والاشـمئزاز، ويُفسد حلاوة اللقاء، ويحرم الـمُتلقي من الاستمتاع به وبمجرياته.
ثانياً/ أن غالبية المقدِّمين لتلك البرامج يُحضرون معهم مجموعة من الأسئلة أو النقاط التي يعتبرونها مـحاور رئيسةً؛ فلا يحيدون عنها، ولا يخرجون عن إطارها، مع أن طبيعة الحوار قد تستلزم تسليط الضوء على جوانب أخرى ليست مدونةً في تلك القائمة.
ثالثاً/ بعض المقدمين قد يوجِّه سؤالاً أو أسئلةً إلى الضيف، ويطلب منه الإجابة في حدود دقيقةٍ واحدةٍ أو نصف دقيقة، وحُجته في ذلك أنه لا يُريد إجابةً بل يريد (فلاشاتٍ) سريعة، وكأنه يقول: قُلْ ما أريد أن تقوله في هذا الشأن!
وهنا أُشير إلى أن مثل هذا الأمر يُعد من الـمصائب التي لا يُمكن قبولها بأي حالٍ من الأحوال؛ فقد يكون ما طرحه المقدِّم من تساؤلات يحتاج لوقتٍ طويلٍ وإيضاحٍ كاملٍ؛ حتى يُمكن للمُتلقي الإلـمام به ومعرفة المقصود منه؛ ولا ينفع معه الإجابة السريعة المختصرة.
رابعاً/ تلك البدعة الإعلامية التي ابتُلينا بها في وسائل إعلامنا عندما يقطع مُقدِّم البرنامج حديثاً شائقاً وموضوعاً مركزاً ولحظاتٍ حاسمةً في الحوار راسماً على شفتيه ابتسامةً باهتةً وهو يقول: "فاصل.. ونواصل"، أو ليستحوذ على الكاميرا وهو يُردد: "ابقوا معنا"، أو "سنعود"، أو نحو ذلك من التدخلات المفاجئة الـممجوجة التي تُفسد اللقاء، وتقطع تسلسل أفكار الضيف، وتحرم الـمتلقين من متابعة مجريات الحوار.
خامساً/ أن يتعمد مُقدِّم البرنامج الدخول في الحوار معارضاً أو مُـخطئاً للمتحدث، أو مبدياً وجهة نظره الخاصة التي لا علاقة لها بالحديث من أصله، أو مُذكراً بالحجة الواهية المتمثلة في مداهـمة الوقت، ونحو ذلك مما يُفقد اللقاء طعمه وانسيابيته وحلاوته.
* فيا من تقومون على إعداد وإنتاج تلك البرامج، أليس في الإمكان تغيير ما هو كائنٌ إلى ما يُمكن أن يكون؟
* وهل هناك أملٌ بتفادي هذه الـملحوظات وما شابـهها؛ حتى نرتقي بنوعية البرامج الحوارية في واقعنا الإعلامي المرير؟