في اليوم الوطني لمملكتنا الحبيبة تتكرر الفرحة كل عام تذكيرًا بالرابط الوجداني بين الوطن والمواطن، فهي علاقة حب حَرِيَّة بالتذكير والتكرار، لا تنشأ بالممارسة ولا توجد “بغتة”، بل هي علاقة غريزية يشعر المرء بها تجاه وطنه كلما تنفس هواءه، أو نظر في سمائه، وأكل من خيره، تلك العلاقة التي يفاخر بها كل مواطن تجاه وطنه على تنوع الأوطان، غير أن وطننا المعطاء له نصيب من حب كل مسلم على وجه الأرض؛ لما لهذا الوطن من مكانة مقدسة، حيث يحوي ترابه الطاهر على أطهر بقعتين “الحرمين الشريفين” ويسجى فيه جسد الطاهر صلى الله عليه وآله، وصاحبيه رضي الله عنهما.
فكل أفئدة المسلمين تهوي إلى هذا الوطن بالحب وتمني دوام الخير والعطاء فيه، وبالفعل كان هذا الوطن ممثلًا بشعبه وعلى رأس الهرم قيادته الحكيمة مذ تأسيسها، مثالاً ونبراسًا، ضرب أروع الأمثلة في مساعدة الشعوب على النهوض، فتجد يد المملكة بيضاء في كل بقعة بها ذو كبدٍ!
وعلى الصعيد الداخلي ازدهرت في كل الأصعدة العمرانية والثقافية والخدمية بما لا يدع مجالاً لمغرض أن يدس كلمة جحود، فكيف لا نفرح ونحن نحتفل باليوم الوطني لهذه البلاد المباركة التي اكتنفت أجدادنا وآباءنا، ومهدت الطريق لأبنائنا وأحفادنا كي يضعوا خطاهم على الطريق السوي الذي يوصلهم إلى حيث تصل بهم إبداعاتهم وأفكارهم، دون أي إعاقات تنتج عن جهل، فقد أولت المملكة للتعليم أهمية خاصة، ودون أي عوائق يحدثها ضعف أو تراخٍ، فقد أسست بنيانها للمستقبل على قاعدة قوية ومتينة لا تؤثر فيها الأعاصير العابرة.
إن ما نراه اليوم من نتوءات شذت عما عهده المسلمون من حب لهذه البلاد المباركة لهو علامة وسمة تنبئ عن حقدٍ ليس له مبرر، فمع كون استهداف هذا الوطن المعطاء من قبل جماعات أو أفراد أو دول لا يؤثر فيها بقدر ما يفضح تلك العناصر والجماعات ويظهرها على حقيقتها العدائية.
إن احتفاليتنا باليوم الوطني ليست مجرد هتافات وشعارات ترفع، بل هي تجديد للرابط الذي لا يبلى بين هذا الوطن وشعبه، كما أنها محطة للمراجعة لتجديد العزم ومضاعفة الجهد لمواصلة البناء، فليس هناك تحديات أكبر من تحديات البناء، فقد يستغل أعداء الوطن بعض المتغيرات التي تطرأ على الساحة الدولية لبث سمومهم أو لمحاولة إعاقة السير والبناء، وربما استخدم لذلك بعض الألسنة القريبة من ألسنتنا، ولكن يجب علينا كشعب مثابر على الرقي ببلده أن نجدد بتجدد يومنا الوطني ثقتنا بقيادتنا والتفافنا حولها، وفي كل يوم وطني نجدد أيضًا بيعتنا لولي أمرنا، واستدامة سيرنا خلفه، لنجعل من ترابطنا واصطفافنا الوطني سلاحًا ودرعًا متينًا أمام كل محاولة للنيل من هذا الوطن.
قد تكون هناك أحداث تستحق أن نسلط عليها الضوء والحديث عنها، لكن ليس هناك أهم من التذكير بأن المستهدف وراء كل حدث هو هذا الوطن، فليس الأمر مقتصرًا على استهداف مطار أو منشأة مدنية أو نفطية أو حافلة مدرسية، بل الأمر أبعد من ذلك، فالمستهدف من هذا كله هو هذا الوطن “المملكة العربية السعودية”؛ لما لها من مكانة عربية ودولية اقتصاديًا وعسكريًا وجغرافيًا، تجعل خصومها لا يألون جهدًا في إلحاق الضرر بها من أي نوع كان هذا الضرر، دون مراعاة لأي قاعدة من قواعد الإسلام أو الإنسانية ودون أي اعتبار لجوار أو لخير قدمته المملكة لأولئك المعتدين.
ومهما تآمر الأعداء ومهما عظمت مكائدهم فيقظة هذا الوطن بجيشه وأمنه في كنف قيادته الحكيمة ستجبر الأعداء على التقهقر، وسيعلم بل قد علم العالم كله أن مملكتنا الحبيبة قد تربعت على عرش الإحسان والبناء، وأنها دوماً كانت اليد العليا، فهي الأخْير، وإن كان في الآخرين خير. هذا، والله من وراء القصد.